أثارت عملية اغتيال القيادي الإصلاحي بفرع عدن "شوقي كمادي"، صبيحة يوم الثلاثاء 13 فبراير الماضي، المزيد من المخاوف والشكوك لدى أبناء محافظة عدن بشأن مصير مستقبل مدينتهم المجهول نتيجة تزايد عمليات الاغتيالات، وسط تساهل وجمود أجهزة الأمن وقوات الحزام الأمني المنتشرة والمسيطرة على عدن.
وأغتال مسلحان على دراجة نارية يرتديان قناعين، القيادي الإصلاحي شوقي كمادي رئيس الدائرة التنظيمية في حزب الإصلاح بعدن وإمام وخطيب مسجد الثوار وعضو المجلس المحلي، داخل سيارته بمديرية المعلا جوار ثانوية مأرب التي يعمل بها.
وما يزيد من المخاوف، أن تلك الاغتيالات ازدهرت وتوسعت أكثر حتى أنها لم تعد تقتصر فقط على الضباط وقيادات الجيش ورجال الأمن، كما كان في السابق، بل أصبحت تطال مشايخ دين وأئمة وخطباء مساجد ودعاة ومصلحين، لاسيما بعد تحرير محافظة عدن من الانقلابيين منتصف العام 2015.
واستهدفت معظم تلك العمليات مشايخ يتبعون التيار السلفي المعتدل، الذي ينتمي معظمه إلى فصائل المقاومة الشعبية ويدين بالولاء لولي الأمر الشرعي. وبحسب المعلومات المتداولة على نطاق واسع، فإن أئمة ورؤوس هذا التيار يختلفون كثيرا مع السلفي "هاني بن بريك"، الذي يشاع عنه تحوله إلى تيار السلفية "الجامية" المدعوم من دولة الإمارات التي تدير المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها محافظة عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، منذ تحريرها من ميليشيات الحوثي وصالح، أواخر يوليو ومطلع أغسطس 2015.
وكان بن بريك، أثناء توليه منصب وزير دولة قد تمكن من خلق وتعزيز نفوذه وسلطاته على مفاصل محافظة عدن، ساعده في ذلك ولائه للإمارات التي يقال إنها اعتمدت عليه في تشكيل ما يسمى بقوات "الحزام الأمني"، ومنحته سلطات الاشراف عليه. الأمر الذي لفت الأنظار إليه باعتباره رجل الإمارات الأول في عدن.
ولا تخضع تلك القوات المدعومة إماراتيا لسلطات الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الشرعية. وقد تمكنت من الانتشار وبسط سيطرتها على كافة مداخل ووسط ومفاصل مدينة عدن.
ولعل ذلك كان- بدرجة رئيسية- هو مبعث الشك والتساؤلات: كيف أن جميع عمليات الاغتيالات، تتم بتلك السهولة والسلاسة رغم انتشار تلك القوات في كل مكان، دون أن يتم القاء القبض على الجناة، أو يعرف من يقف ورائها؟
إحصائية حديثة خاصة
لتسليط الضوء أكثر على حجم هذه الجريمة، عمل "يمن شباب نت" على تتبع ورصد عمليات الاغتيال التي طالت فقط أئمة مساجد وخطباء ودعاة ومصلحين بمحافظة عدن ومحيطها القريب، خلال فترة العامين ونصف الماضية.
وبحسب الإحصائية التي حصلنا عليها، فقد بلغت عمليات الاغتيال المخصصة من هذا النوع (22) عملية، قتل فيها 18 شيخ، بينما بائت أربع عمليات فقط بالفشل، خلال الفترة من منتصف 2016 وحتى كتابة هذا التقرير.
أنظر الجداول المرفقة والموزعة على أماكن متفرقة في هذا التقرير، والتي أعدها قسم التحقيقات في "يمن شباب نت"، مقسمة على أربعة جداول على النحو التالي: -
- الجدول رقم (1): مخصص لعمليات الاغتيال التي حققت أهدافها بنجاح خلال العام 2016.
- الجدول رقم (2): وتم تخصيصه لعمليات الاغتيال التي حققت أهدافها لمشايخ ودعاة من غير أئمة وخطباء المساجد، طوال الفترة الماضية.
- الجدول رقم (3): مخصص لعمليات الاغتيال التي حققت أهدافها بنجاح خلال العام 2017، وحتى اليوم.
- الجدول رقم (4): وتم تخصيصه لمحاولات الاغتيال التي لم تحقق أهدافها (أي الفاشلة)، طول الفترة الماضية.
تحليل المعلومات
ومن خلال تحليل البيانات التي جمعها "يمن شباب نت"، وفقا للجداول المعدة والمنشورة هنا، نجد أن معظم عمليات الاغتيال، بواقع 18 عملية، تمت من قبل مسلحين مجهولين يستقلون دراجات نارية ويرتدون اقنعة تخفي وجوههم. بينما استخدم المنفذون طريقة زراعة العبوات الناسفة في أربع عمليات فقط، نجحت منهما عمليتين وفشلت مثلهما.
وتوحي تفاصيل تنفيذ عمليات الاغتيال المباشر عبر استخدام الرصاص، أن هناك خلية عمل متكاملة تقوم أولا بتحديد الشخصيات المستهدفة، والذين ينتمي غالبيتهم لفصائل تابعة للمقاومة الشعبية، ثم رصد وتتبع جدول تحركات تلك الشخصيات، ليتم على ضوء ذلك تحديد الطريقة والوقت المناسبين للتنفيذ. حيث تمت خمس عمليات اغتيال ناجحة وقت صلاة الفجر، أثناء خروج الضحية من المسجد، أو ذهابه إليه. كما أن معظم العمليات من هذا النوع تستخدم فيها مسدسات كاتمة للصوت.
وبتتبع العمليات، وجدنا أن أول محاولة اغتيال لمشايخ دين، بدأت أواخر يوليو 2015، بعملية بائت بالفشل لاغتيال الشيخ بشار السلفي، إمام مسجد قرية الحسني بمحافظة لحج، والذي نجا منها وأصيب فقط بجروح.
ومع مطلع العام 2016، دشنت عمليات اغتيال المشايخ في محافظة عدن ومحيطها الأقرب، على نحو عملي متقن يعكس خبرة قتالية عالية، حيث نفذت في هذا العام (10) عمليات، كانت جميعها ناجحة، عبر طريقة الترصد والقتل المباشر، فيما عدى عملية واحدة فقط استخدمت فيها وسيلة زراعة عبوة ناسفة.
عام تهدئة ثم عودة قوية
ونتيجة تصاعد وتيرة تلك العمليات وتقاربها الزمني، لاسيما خلال شهري يوليو وأغسطس، أدى ذلك إلى لفت الانتباه وبدأت الأصوات والانتقادات تتعالى وتطالب الأجهزة الأمنية والمسئولة بضبط الأمن، لتشهد عدن تهدئة وتوقفا ملحوظا للاغتيالات استمر أكثر من عام، ابتداء من منتصف أغسطس 2016، وحتى 10 أكتوبر 2017، فيما عدى الإعلان عن واحدة، في 31 يناير 2017، حين تم العثور على جثة القيادي المعروف في المقاومة الشعبية الشيخ عبد العزيز الراوي مرمية جوار جولة سوزوكي بين خور مكسر والشيخ عثمان، بعد أيام من اختطافه.
في أواخر شهر أبريل 2017، أقال الرئيس هادي محافظ عدن عيدروس الزبيدي، مع وزير الدولة السابق هاني بن بريك. فشكلا ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي دعمته الإمارات ليكون حاملا لقضية انفصال الجنوب، برئاسة الأول ونيابة الثاني.
بعدها بخمسة أشهر، تقريبا، عادت عمليات الاغتيالات بوتيرة أشد، حيث شهد شهر أكتوبر فقط، الذي تجددت فيه تلك العمليات مرة أخرى، أربع عمليات من واقع سبع عمليات انتهى العام بها، كانت واحدة منها فقط فاشلة استخدمت فيها تفجير عبوة ناسفة، من بين ثلاث عمليات من هذا النوع خلال هذا العام.
العام الجديد 2018 اشد خوفا
خلال فترة الشهر ونصف التي مرت من هذا العام، حتى الآن، نفذت أربع عمليات اغتيال، نجحت اثنتين منها وفشلت مثلها.
ففي شهر يناير الفائت نفذت عمليتين، فشلت الأولى (5 يناير) في اغتيال الشيخ صلاح سالم الشيباني، إمام مسجد الفرقان بدار سعد، بعبوة ناسفة انفجرت وقتلت الشخص الذي حاول زراعتها جوار منزله. بينما نجحت العملية الثانية (24 يناير) في اغتيال الشيخ السلفي عارف الصبيحي، إمام وخطيب جامع الرحمة بالمنصورة والقيادي بحركة النهضة السلفية، برصاص مسلحين على دراجة نارية أثناء خروجه من المنزل مساءا.
وفي الشهر الجاري، نفذت عمليتين في يوم واحد، في 13 فبراير، نجحت الأولى في اغتيال "شوقي كمادي" صباح اليوم المذكور، بينما نجا الشيخ جلال المارمي، إمام وخطيب مسجد آل البيت بخور مكسر، من محاولة اغتيال بوابل من الرصاص أطلقها مسلحون عليه اثناء خروجه من المسجد بعد صلاة العشاء.
ويبعث هذا التسارع في العمليات، بواقع أربع عمليات خلال فترة الشهر ونصف فقط التي مرت من العام الجديد، المخاوف من أن يكون هذا العام أكثر دموية من سابقيه، خصوصا مع الأحداث المسلحة الأخيرة التي ضربت مدينة عدن أواخر شهر يناير الفائت، جراء محاولة ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي تنفيذ عملية انقلاب مسلح، بالشراكة مع قوات الحزام الأمني التابع لدولة الإمارات، على الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن.
ومع أن تلك الأحداث الأخيرة توقفت بعد ثلاثة أيام بضغط سعودي، كما يقال، إلا أن التوتر ما يزال قائما حيث لم تخلي القوات التابعة للمجلس الانتقالي والحزام الأمني أماكنها الجديدة التي سيطرت عليها وتوسعت إليها.
وهذا يجعلنا نعود إلى عملية الاغتيال الأخيرة للشيخ شوقي كمادي، التي تمت في مديرية المعلا، حيث تسيطر وتنتشر فيها تلك القوات. الأمر الذي بدوره يعيدنا مجددا إلى التساؤلات المثيرة للريبة حول كيفية تجرؤ منفذي العملية على ارتكابها بتلك السهولة والفرار في وضح النهار رغم الانتشار الكثيف لقوات الحزام الأمني.